الجواب
الفرق بيننا وبين ما ذكرت عن الملاحدة عظيم، فالمسلمون يعبدون الله وحده على ما جاء به كتابه العظيم القرآن ورسوله محمد- صلى الله عليه وسلم- الذي بعثه الله إلى الجن والإنس والعرب والعجم والرجال والنساء وجعله خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، وأوجب على الثقلين اتباعه والتمسك بما جاء به- صلى الله عليه وسلم- ، أما الملحدون فيتبعون أهواءهم وعقولهم، والعقول والأهواء لا تنجي أهلها من عذاب الله ولا ترشدهم إلى الأعمال والأقوال التي ترضي الله سبحانه وتعالى، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾[القصص: 50]، وأما قولهم: إن الأديان كلها من منبع واحد فهو باطل، بل الإسلام الذي بعث الله به الرسل هو دين الحق، ومنبعه من الله سبحانه الذي خلق من أجله الثقلين وأنزل به الكتب التي أعظمها القرآن الكريم وأرسل به الرسل الذين ختمهم بمحمد- صلى الله عليه وسلم- ، وأما الأديان الأخرى فمنبعها آراء الناس وعقولهم وهي غير معصومة، ولا يصح منها ولا يعتبر إلا ما وافق الشرع الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وبعد بعث محمد- صلى الله عليه وسلم- لا يقبل من آراء الناس وعقولهم ولا ما في الكتب السابقة التي قبل القرآن إلا ما وافق شرعه عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾[آل عمران: 31] وقال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[الأنعام: 155] وقال -سبحانه وتعالى- في شأن نبيه محمد- صلى الله عليه وسلم-: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[النساء: 65] وقال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾[الأعراف: 156] ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[الأعراف: 157] ثم قال سبحانه: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[الأعراف: 158] والآيات في هذا المعنى كثيرة. وفي الصحيحين عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة». وفي (صحيح مسلم) عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار». والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. فالواجب نصيحة هؤلاء الملاحدة ودعوتهم إلى الحق وتذكيرهم بمغبة كفرهم، وأن مصيرهم النار إن لم يؤمنوا بمحمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويتبعوا ما جاء به، ولكم من الله الأجر العظيم وحسن العاقبة.
أما زعم من ذكرت أنهم لا يقبلون إلا ما يقتضيه العقل فينبغي أن يبين لهم بلغتهم التي يفهمونها: أن العقل غير معصوم، وأن عقول الناس مختلفة؛ فلهذا جاء شرع الله المطهر بعدم الاعتماد عليها، وإنما يعتمد على ما دل عليه كتاب الله؛ لكونه الحق الذي ليس بعده حق، ولأنه لا أصدق من الله سبحانه، ولأنه أعلم بأحوال عباده ثم ما صح عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ؛ لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ولأن كتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ ولأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- معصوم عن الخطأ في كل ما يبلغه عن الله سبحانه؛ ولهذا أمر الله -عز وجل- في كتابه العظيم بالرجوع إلى حكمه عند الاختلاف، وإلى كتابه وسنة نبيه- صلى الله عليه وسلم- ، كما قال سبحانه: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾[الشورى: 10] وقال -عز وجل-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾[النساء: 59] ولم يأمر سبحانه ولا رسوله بالرجوع إلى العقول وتحكيمها، وما ذلك إلا لعجزها عن حل المشكلات واختلافها. ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يعين الجميع للفقه في دينه والثبات عليه وترك ما خالفه إنه جواد كريم.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم